|@| بسم الله الرحمن الرحيم |@|
|@| الحمد لله رب العالمين |@|
|@| والصلاة والسلام على النبي الأمي الهادي الأمين |@|
|@| سيدنا محمداً وعلى آله وصحبه أجمعين |@|
|@| أما بعد : |@|
|@| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته |@|
|@| أصبحتوا و أمسيتوا بخير و بعافية |@|
حَياة نبِيُنَا المصطفى مُحَمَّدْ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم [ مِن مُؤامَراتِ اليَهُود ]
كان اليهود يسكنون الجزيرة العربية قبل بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم- خاصة في "خيبر"، و"وادي القرى" ، و"تيماء" ، و"يثرب" (المدينة) ، وكان هؤلاء اليهود يفخرون على جيرانهم من العرب بأنهم أهل الكتاب ، وأنهم يعتنقون دينًا سماويًّا منزلاً من عند الله ، وأنه قد اقترب ظهور نبي آخر الزمان الذي بشرت به كتبهم المقدسة ، وأنهم يتطلعون أن يكون هذا
النبي من بينهم – فقد كانوا يزعمون كذبًا وزورًا أنهم شعب الله المختار ، وأن النبوة لن تكون إلا فيهم!! حينئذٍ يتبعون ذلك النبي ، ويقاتلون معه العرب المشركين عباد الأصنام، وينتصرون عليهم ، وتصبح لهم الغلبة والسيادة على الدنيا بأسرها .
فلما بعث الله رسوله "محمدًا " – صلى الله عليه وسلم- من العرب ، غضب اليهود ، وطارت عقولهم ؛ إذ كيف لا تكون النبوة فيهم ؟! فأجمعوا أمرهم ، وقرروا أن لايؤمنوا بهذا النبي العربي، بل قرروا محاربته بكل ما أوتوا من قوة .
وهاجر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى "يثرب" ، فأشرق نور الإسلام عليها ، وانتشر بين أهلها، وأصبحت "يثرب" بعد الهجرة المباركة تعرف بالمدينة المنورة ، وقد نظم الرسول- صلى الله عليه وسلم- عند قدومه إلى "المدينة" العلاقة بين سكانها وسهل التعايش بينهم جميعًا ، وكانوا خليطًا من قبيلتي "الأوس" و"الخزرج" العربيتين ، وطوائف من يهود "بنى قينقاع"، و"بنى قريظة" ، و"بنى النضير" .
لذلك فقد آخى النبي- صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين من أهل "مكة" ، والأنصار من
أهل "المدينة" وأصبح الأنصار بعد أن أنعم الله عليهم بنعمة الإسلام إخوانًا متحابين بعد أن كانوا أعداء متباغضين ، ولم يكتف الرسول – صلى الله عليه وسلم- بذلك ، بل إنه – صلى الله عليه وسلم –كتب معاهدة بين المهاجرين والأنصار جعلتهم أمة واحدة متعاونة متآلفة ، وكان من
ضمن بنود تلك المعاهدة أنه ترك – صلى الله عليه وسلم- لليهود جيران العرب في مدينتهم حرية الاحتفاظ بدينهم ، كما أمنهم على دمائهم ، وأموالهم على ألا يحالفوا على المسلمين أحدًا، ولا يغدروا بهم أبدًا ،
ويدافعوا عن "المدينة" معهم ضد أي عدو يريد النيل منها .
وبدلاً من أن يسارع "اليهود" إلى الدخول في دين الإسلام بعد ما لقوه من سماحة ومعاملة طيبة ، فإنهم ناصبوا المسلمين العداء ، بعد ما أحسوا بنفوسهم المريضة أن دعوة الإسلام أصبحت خطرا عظيمًا يهدد وجودهم وكيانهم ، فسارعوا بنقض معاهدتهم مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وراحوا يتربصون بالمسلمين ، ويشعلون نار الفتنة ، وخرجت أفاعي اليهود من جحورها لتنفث سمومها في كل مكان ، فمرة ينفرون الناس من الإسلام ، وأخرى يشككون في مبادئه وتعاليمه وسمو رسالته ، وثالثة يزعمون أن الوثنية وعبادة الأصنام خير منه، فلما لم يفلح كل هذا بدءوا يفرقون بين المهاجرين والأنصار من جهة ، وبين "الأوس" و"الخزرج" من جهة أخرى ، بما برعوا فيه من مكر وخداع ومؤامرات :
فهذا "شاس بن قيس" أحد زعماء اليهود مر يومًا على نفر من "الأوس" و"الخزرج"، وهم في مجلس حب وإخاء وصفاء فغاظه ما رأى ، وأكل الحقد قلبه ، فأمر شابًّا يهوديًّا أن ينضم إلى مجلسهم ، ويحدثهم عن يوم "بعاث"- ذلك اليوم الذي انتصرت فيه "الأوس" على "الخزرج" قبل الهجرة بخمس سنين- وينشدهم بعض ما قالوه من أشعار تمجد هذا اليوم ، فنفذ اليهودي ما أمره به سيده ، فاشتعلت نار الفتنة بين الجالسين ، وكادت الحرب الدامية تنشب بينهم ، لولا النبي صلى الله عليه وسلم- الذي ذهب إليهم في جماعة من المهاجرين ، وقال لهم: "يا معشر المسلمين ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، وألف بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا ؟!" .
فأفاق القوم من غضبهم ، وعلموا أن هذا كيد من عدوهم ، فألقوا السلاح ، وبكوا ، وعانق بعضهم بعضًا ، ثم انصرفوا مع رسول الله سامعين مطيعين ، وباء كيد عدوهم " شاس بن قيس" وتدبيره بالخسران والخذلان المبين .
ولما انتصر المسلمون في غزوة "بدر" على "قريش" نصرًا مؤزرًا ، وأصبحت لهم عزة وقوة وهيبة في "المدينة" وما حولها ، اغتاظ اليهود في المدينة بشدة ، وعادوا المسلمين ، فكان يهود "بنى قينقاع" يسخرون من المسلمين ، ويقللون من شأن انتصارهم يوم "بدر" ، وقام شاعرهم "كعب بن الأشرف" بحملة عدائية ضد المسلمين ، وأخذ يبكى بشعره قتلى "بدر" من المشركين، ويحرض "قريشًا" على الأخذ بثأرها ، ومحو عار هزيمتها النكراء ، ولم يكتف ذلك الرجل بذلك بل أخذ يهجو رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وأصحابه .
ورأى الرسول – صلى الله عليه وسلم- أن يعظ هؤلاء القوم بالحسنى أولاً ، ويدعوهم إلى ترك ما هم فيه من معاندة لله ورسوله، فجمعهم في سوقهم وقال لهم : " يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا" فردوا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كبر وغرور قائلين : "يا محمد ، لا يغرنك أنك لقيت قومًا (يقصدون قريشًا) لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة . أما والله لئن حاربناك لتعلمن أننا نحن الناس" .
وتمادى "بنو قينقاع" في شرهم ، فاعتدوا على امرأة مسلمة ، دخلت سوقهم لتبيع مصاغًا لها ، فأحاط بها عدد من اليهود ، وآذوها ، وطلبوا منها أن تكشف عن وجهها، فأبت ، فعقد الصائغ ثوبها إلى ظهرها ، وهى لا تشعر، فلما قامت تكشفت فضحكوا عليها فصاحت واستغاثت ، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ، فتجمع اليهود على المسلم فقتلوه ، فلم يجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بدًّا من غزو هؤلاء الخائنين ، وقد نقضوا العهد الذي بينه وبينهم بهذه الفعلة النكراء ، فحاصرهم خمس عشرة ليلة ، ثم فك الحصار عنهم ، وأجلاهم عن "المدينة" بعد أن أخذ أسلحتهم ، فارتحلوا مخذولين إلى حدود بلاد الشام ، ولم يتعظ من بقى من قبائل اليهود بما حدث لإخوانهم من "بنى قينقاع" ، وراحوا يمارسون هوايتهم في المكر ونسج المؤامرات ، وازدادت جرأتهم بعد غزوة "أحد"، حتى وصل بهم الأمر أن خططوا لمؤامرة تهدف إلى التخلص من النبي – صلى الله عليه وسلم- وظنوا أن الفرصة قد حانت لتنفيذ غدرهم ، عندما خرج إليهم النبي – صلى الله عليه وسلم- في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة ، ليطلب من يهود "بنى النضير" مساعدته في دفع دية رجلين قتلهما أحد المسلمين خطأ ، وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة التي بينهم وبين النبي – صلى الله عليه وسلم – فتظاهر الغادرون بالموافقة، لكنهم بيتوا الشر ، وطلبوا من النبي – صلى الله عليه وسلم- أن يجلس بجوار جدار أحد بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا ، وخلا اليهود بعضهم إلى بعض ، وبدؤوا ينسجون خيوط مؤامرتهم الدنيئة ، واتفقوا على أن يلقى أحدهم صخرة كبيرة على النبي – صلى الله عليه وسلم – من فوق ذلك البيت فتقتله ويستريحوا منه ، فنزل "جبريل" – عليه السلام- من عند رب العالمين على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وأخبره بما هم به أولئك الخبثاء من غدر، فقام النبي – صلى الله عليه وسلم- مسرعًا ، وتوجه نحو "المدينة" ، ولحقه من كان معه من أصحابه ، وعندما تأكد للنبي – صلى الله عليه وسلم – إصرار هؤلاء اليهود على الغدر ، وتآمرهم وحقدهم على الإسلام، اتخذ قراره الحاسم بإجلائهم عن "المدينة" ، وأمهلهم عشرة أيام للرحيل ، لكنهم أعلنوا التحدي والمقاومة للنبي – صلى الله عليه وسلم- وأرسل زعيمهم "حيى بن أخطب" للنبي في غطرسة :
"إنا لن نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدالك "، فاتجه النبي – صلى الله عليه وسلم- إليهم في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة ، وحاصرهم حصارًا شديدًا، حتى استسلموا وهم صاغرون ، وأمر النبي – صلى الله عليه وسلم- بخروجهم إلى "خيبر" بأمتعتهم وأموالهم دون سلاح .
وتستمر الدسائس والمؤامرات ، ويستمر اليهود في ممارسة هوايتهم في الخيانة ونقض العهود والمواثيق !! غير عابئين بما فعله النبي مع يهود "بنى النضير" ، لكن مؤامرتهم هذه كانت أشد المؤامرات خطرًا ؛ فقد كانت تهدف إلى القضاء على الإسلام والمسلمين قضاءً مبرمًا ، وذلك بعد أن خطط الغادرون من يهود "بنى النضير" الذين استبعدهم النبي – صلى الله عليه وسلم- إلى "خيبر" بزعامة "حيى بن أخطب"، على تحريض القبائل العربية على محاربة المسلمين في "المدينة" ، لتكون هذه هي الضربة القاصمة ، فلا تقوم للمسلمين بعدها قائمة ، وتحقق للمتآمرين ما أرادوا ، وخرجت القبائل العربية في جيش جرار قوامه عشرة آلاف مقاتل، في شوال من السنة الخامسة للهجرة ، واكتملت خيوط المؤامرة، بعد أن تمكن زعيم "بنى النضير" من تحريض إخوانه في الخيانة من يهود "بنى قريظة" آخر القبائل اليهودية في "المدينة" ، على نقض ما بينهم وبين النبي من عهود ومواثيق ، فأصبح المسلمون بعد تلك المؤامرة بين نارين : نار المشركين الذين يحاصرون "المدينة" ، ولا يمنعهم عن دخولها إلا الخندق الذي حفره المسلمون ، ونار الخائنين من يهود "بنى قريظة" في جنوب "المدينة" ، وهكذا تحالفت كل قوى الشر على كسر شوكة المسلمين ، وإسقاط دولتهم في "المدينة" ، لكن الله – عز وجل- كان لأعداء عباده المؤمنين بالمرصاد ، فقد أرسل الله – تعالى- على الأحزاب ريحًا عاتية اقتلعت خيامهم ، وأسلمتهم إلى اليأس والخذلان ، فأجمعوا أمرهم على الانسحاب ، وكفى الله المؤمنين القتال .
ولما عاد النبي صلى الله عليه وسلم- من غزوة "الخندق" ، أمره الله أن يسير بجيشه إلى أولئك الخائنين من "بنى قريظة" لمحاربتهم ، فخرج الرسول – صلى الله عليه وسلم- إليهم ، فلما رأى "بنو قريظة" جيش المسلمين امتلأت قلوبهم رعبًا، وتحصنوا بحصونهم ، وحاصرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خمسًا وعشرين ليلة ، فلما لم يجدوا فائدة من تحصنهم استسلموا ، وسعوا في خبث إلى حلفائهم من قبيلة "الأوس"، لكي يتوسطوا لهم عند النبي، لكي يعاملهم مثل إخوانهم من "بنى قينقاع" ، فاختاروا رجلاً من "الأوس" هو الصحابي الجليل"سعد بن معاذ" ليحكم فيهم ، فحكم "سعد"- رضى الله عنه – بقتل رجالهم ، وسبى نسائهم ، وتقسيم أموالهم ، فقال له الرسول – صلى الله عليه وسلم :
"لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله من فوق سبع سنوات" .
وقد تطهرت "المدينة" من دنس اليهود وغدرهم، ولم يبق إلا"خيبر" التي كانت تقع على مسافة مائة ميل شمال "المدينة"، وقد أصبحت حصنًا حصينًا ، ووكرًا جديدًا لأفاعي اليهود تحاك فيه المؤامرات ، وتنطلق الدسائس والاضطرابات سواء من يهود "خيبر" أنفسهم أو ممن نزح إليهم من يهود "بنى النضير" ، وكان لأهل "خيبر" دور كبير في تحريض العرب على المسلمين في غزوة "الخندق" ، ودفع يهود "بنى قريظة" على الغدر والخيانة ، كما كانت لهم اتصالات كثيرة مع المنافقين، بل إنهم أرسلوا إلى قبيلة "غطفان"، التي هبت لقتال النبي يعرضون عليهم نصف ثمار "خيبر" إن هم غلبوا المسلمين ، وتمادى هؤلاء في غدرهم وخيانتهم حتى إنهم وضعوا خطة محكمة لاغتيال النبي – صلى الله عليه وسلم- وتهيؤوا لتنفيذها .
وما كانت هذه الدسائس لتخفى على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقد كان – صلى الله عليه وسلم- يرقب نشاطهم الخطر ، ويعد أمره لمجابهته والقضاء عليه ، فقد خرج إليهم في أواخر المحرم من السنة السابعة من الهجرة، وبادرهم بهجوم مضاد أفسد تدبيرهم الماكر ، وتهاوت أمامه حصونهم.. حصنًا حصنًا ، وقتل من بينهم الكثير ، فاستولى اليأس عليهم ، وطلبوا من النبي – صلى الله عليه وسلم-الصلح على أن يحقن دماءهم ، فوافقهم النبي – صلى الله عليه وسلم- في سماحة وعفو ، وكان في نيته – صلى الله عليه وسلم- أن يجليهم عن أرضهم، لكنهم طلبوا أن يبقوا في أرضهم يزرعونها ، ويدفعوا نصف ما تنتجه من ثمار إلى المسلمين، فقبل النبي – صلى الله عليه وسلم- ذلك.
ومع كل هذه السماحة والإحسان والعفو من النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا أن نفوسهم الحاقدة كانت ومازالت يملؤها الحقد والكره للمسلمين ، وانتهاز أية فرصة للنيل من النبي – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين !!
فما كاد النبي يصالحهم على بقائهم في ديارهم، حتى أهدت إليه "زينب بنت الحارث" زوجة "سلام بن مشكم" اليهودي - وكان ممن قتل في غزوة "خيبر" - شاة مسمومة ، ووضعتها بين
يدي النبي – صلى الله عليه وسلم – فتناول منها قطعة فمضغها ولم يبلعها ، ثم قال :
"إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم " ، ثم دعا النبي – صلى الله عليه وسلم- المرأة فاعترفت بما فعلت ، فقال لها : " ما حملك على هذا ؟" .
فقالت : قلت إن كنت ملكًا استرحنا منك بعد أن يقتلك السم،
وإن كنت نبيًّا فسوف يخبرك ربك.
فعفا النبي- صلى الله عليه وسلم- عنها ، ولكن بعد أن مات الصحابي "بشر بن البراء بن معرور" الذي أكل من الشاة قتلها النبي – صلى الله عليه وسلم- قصاصًا لصاحبه ، وقد ظل النبي – صلى الله عليه وسلم- يعاوده أثر ذلك السم حتى توفاه الله – عز وجل .
ومازال اليهود منذ عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- وحتى يومنا هذا يكيدون للمسلمين ، ويشيعون الفرقة واليأس والاستكانة بينهم حتى لا يهبوا للدفاع عن دينهم ، واسترداد ما اغتصب من أرضهم ، فعلى المسلمين أن يستيقظوا من غفوتهم ، وأن يقفوا يدًا واحدة أمام هذا الخطر الزاحف الذي لا نهاية لأطماعه .
|@| أتمنى أن ينال الموضوع إعجابكم |@|
|@| والسلام مسك الختام |@|
|@| سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا انت أستغفرك وأتوب أليك |@|