الحمد لله رب العالمين , رب السموات والأرض وما بينهما رب العرش العظيم
اللهم صلي على سيدي وحبيبي وشفيعي محمد إبن عبدالله خاتم رسل الله صل الله عليه وسلم
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ما زلنا نستجلي الدروس والعبر من سيرة تلك المرأة المؤمنة حتى نتبين معالم الطريق إلي الآخرة .
الرضا بالقضاء والقدر صحة تفسية:
رزقها الله بولد من أبي طلحة زوجها وكان يدعي عميرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعبه ويضاحكه ويقول له: ((يا أبا عمير ماذا فعل النغير)) وشاء الله وقدر أن يمرض هذا الطفل الذي يملؤ الدنيا عليهم بهجة وسرورا. وذات يوم خرج أبو طلحة ساعيا كعادته على طلب رزقه واشتد المرض على الولد حتى أسلم روحه إلى بارئها . ولك أن تتعجب ولك أن تنبهر من موقف تلك المرأة العاقلة الصابرة.
نعم ، مات ولدها فلذة كبدها لكنها لم تجزع بل صبرت صبرا جميلا .. وفعلت ما هو أعجب من صبرها على فقد وليدها فتجملت لزوجها وأعدت له طعامه فأتي منها ما يأتي الرجل من أهله، بعد ذلك هيئت له منامه وتركته حتى استيقظ فاختارت له من الكلام أجمله فقالت: أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم فهل لهم أن يمنعوها ؟ قال : لا ، فقالت لو شق ذلك عليهم قال: ما أنصفوا، قالت: فإن ابنك كان عارية من الله فقبضه ..
فذهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقص عليه الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بارك الله لكما في ليلتكما)) فحملت في تلك الليلة ورزقهم الله بعبد الله فلما شب عبد الله وتزوج رزقه الله بعشر من الأولاد كلهم يحفظون القرآن.
فلتتعلم المرأة التي تقيم الدنيا ولا تقعدها على أتفه الأسباب.
فلتتعلم ذلك المرأة التي تكثر من الشكوى لزوجها وأهلها بل وجيرانها ولا تشكر ربها.
إبراهيم عليه السلام ذهب لزيارة ولده فوجد زوجة كثيرة الشكاية فترك له رسالة أن غير عتبة بابك.
كم من امرأة جازعة بسبب مرض ولدها أو بسبب عقمها وهي لا تعلم أن العطاء ربما يكون في المنع، وأن من تأمل حكمة الله في المنع صار المنع هو عين العطاء، فربما رزقها الله بولد عقها أو ابنة عُيرت بعد ذلك بها.
الرضا بالقضاء والقدر يجعل النفس هادئة مطمئنة مستبشرة مستقرة، وها هي إحدى العابدات أصيبت بجرح في قدمها فضحكت فاستغرب القوم لذلك فقالت حلاوة أجرها أنستني مرارة ألمها.
تقول إحدي الدراسات كما ينقل لنا الدكتور عبد الكريم بكار: "أن هرمون الدوبامين الذي يفرزه الجسم عند الضحك أو الشعور بالسعادة والرضا هو نفسه الذي يحفظ خلايا المخ من التلف ويجعله نشطا، وكلما زاد إفراز هذا الهرمون كان النشاط الذهني أفضل" فالقناعة والرضا صحة نفسية لها يحافظ على عقلها وصحة نفسية لأولادها وبيتها.
ما أحوج الأمة أن تتعلم من تلك الأم الصبر في الأزمات فالصبر لا يأتي إلا بخير، لما أن صبرت رزقها الله بعشرة من الأولاد كلهم يحفظون القرآن وبارك لها في أنس.
فإلى هؤلاء الذين يشيعون البؤس في المجتمع ولا يتحدثون إلا عن الإنهيار الاقتصادي أقول بدلاً من التحدث بهذه اللغة السوداء صبروا أنفسكم واعملوا على حل يدفع بالأمة نحو التقدم والإرتقاء بدلا من أن نكثر من العويل والصياح كتلك المرأة التي تفسد بذلك بيتها، فالأمل في الله قائم أن يحفظ الله مصر وأهلها وبلاد المسلمين من كل سوء .. فقليلا من الصبر والشكر والعمل مع الأمل يرحمكم الله.
الكرم علامة الإيمان:
ففيما أخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، فَقَالَ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ؟»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِ السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ، فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ، قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ» وفي رواية عند البخاري فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [الحشر: 9]
ووقعت تسميته عند مسلم أنه أبو طلحة.
فانظر كيف كانت عونا لزوجها على إكرام ضيفها علامة على قوة إيمانها وحسن توكلها على ربها .. وهذه رسالة من فقه أم سليم إلى من تقطب جبينها إذا ما حل بها ضيف، ألا فلتعلم أنه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، وأن الله لا يضيع من توكل عليه وأحسن إلى خلقه وعياله جزاء وفاقا، فكان من جزائها أن خلد الله في الصالحين ذكرها وأنزل فيها وفي زوجها قرآنا يتلي إلى يوم القيامة، وأكرمها في نفسها وأبنائها.
يقول الشيخ محمد الغزالي (ومن الواجب على المسلم أن يقتصد في مطالب نفسه حتى لا تستنفذ ماله كله، فإن عليه أن يشرك غيره فيما آتاه الله من فضله، وأن يجعل في ثروته متسعا يسعف به المنكوبين ويريح المتعبين . قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى)) أخرجه مسلم
ويقول صاحب الظلال: "والإيثار على النفس مع الحاجة قمة عليا. وقد بلغ إليها الأنصار بما لم تشهد البشرية له نظيراً. وكانوا كذلك في كل مرة وفي كل حالة بصورة خارقة لمألوف البشر قديما وحديثا).
نساؤنا وطلب العلم:
كانت أم سليم من اللاتي نشرن العلم والدعوة ومما يدل على ذلك أنها كانت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء ربما تستحي كثيرات من النساء أن يسألن عنها فقد أخرج الشيخان عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَتِ المَاءَ» فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ، تَعْنِي وَجْهَهَا، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ تَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا».
ها هي أم سليم برجاحة عقلها ووفور ذكائها تعلم النساء كيف يسألن فيما يستحيا منه بسط عذرها بين يدي سؤالها .. تعلم النساء بأن وظيفتهن ليست قاصرة على إعداد الطعام والشراب ..ففيما أخرج البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا، إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: «وَاثْنَتَيْنِ».
وكانت المرأة إذا قدم عليها زوجها لا تسأله عن طعام ولا شراب قبل أن تسأله ماذا نزل اليوم من القرآن؟
وأولى العلوم التي تطلبها المرأة أن تتعرف على الله بأسمائه وصفاته فتأنس به إذا استوحشت وتركن إليه إذا ضعفت فتذوق حلاوة الإيمان التي عبر عنها الصالحون: (والله إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا العيش إنهم لفي عيش طيب) وقال آخر: (لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من سعادة الإيمان لجالدونا عليها بالسيوف).
نساؤنا والعبادة:
كانت رضي الله عنها من العابدات القانتات حتى لقد ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكية زوجها قائلة: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَابْنَهُ حَجَّا عَلَى ناضحِهما وَتَرَكَانِي فَقَالَ: «يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، إِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تُجْزِئُ مِنْ حَجَّةٍ».
فلم تشك لرسول الله أمرا يتعلق بدنياها بل بآخرتها فنحن نجد المرأة تنظر إلي أصحابها وجيرانها وأقربائها وتحب أن تقتدي بهن في تغيير أساس بيتها وحليها ومتاعها وقل أن تجد من تنظر إلى امرأة أخرى حافظة لكتاب ربها عالمة بسنة نبيها فاضلة في تربية أبنائها وتقول أتمنى أن أكون مثلها.
ما أحوج بيوتنا إلي نساء يدمن العبادة والنظر في المصحف ويبتعدن عن المظاهر والقيل والقال حتى يكن سببا في إدخال البركة والسعادة إلى بيوتنا.
يقول أحمد بن الحواري: (كنت إذا نظرت إلى وجه زوجتي تذكرت الله أكثر من جلستي مع أصحابي) لما تقربت بالطاعة إلى ربها أشرق بالإيمان وجهها..
فما أحوجنا رجالا ونساء كبارا وصغارا شبابا وشيوخا أن نقتدي بأم سليم وأمثالها في رجاحة عقلها ووفور ذكائها وتربية أبنائها ووفائها لزوجها وقبل ذلك كله قربها من ربها واختم بما بدأت به من مكانتها بين يدي ربها جزاء لها وعرفانا بفضلها .
ففيما أخرج مسلم عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ".
الكـاتب : مصطفى حمودة عشيبة
أتمنى أن ينال إعجابك الموضوع يا ,,,ـ
لا تنساني يا من الدعاء بخير ,,, جزاك الله خيراً